-A +A
كاظم الشبيب
عندما ترتطم الخطوات الإجرائية بصخرة واقع يلفظها، أو لا يتقبل الشارع العام قراراً ما، أو يشعر المواطن بأن هذا الإجراء أو ذاك القرار ينتقصان من حقوقه الإنسانية، وينبري أصحاب تلك الخطوات والقرارات للدفاع عن أفكارهم وتصوراتهم، لا بد حينها من معرفة مكامن الخلل ومعالجتها حتى تستمر دورة حياة الوطن والمواطن نحو التكامل والرقي، وإلا عاش الجميع في «حيص بيص» عبر دوامة لا تنتهي من القيل والقال وتبادل الاتهامات على قاعدة متنافرة كل طرف فيها يصرف عن نفسه تهمة التقصير ويصرخ بمظلوميته ويطالب بحقوقه.
هذه الصورة يتم طرحها كل يوم في صحافتنا اليومية حول قضايا متنوعة. تدور رحى بعضها في أروقة المحاكم حول طبيعة الأحكام الصادرة عنها، كقضية الشابة التي دامت خمس سنوات، 2004-2009 وانتهت بغرامة مالية مقدارها خمسون ألف ريال على صاحب المدينة الترفيهية التي ماتت الشابة فيها في المنطقة الشرقية، وكقضية الحكم على سارقي الخروفين، وقضايا زواج القاصرات مثل طفلة عنيزة...ناهيك عن مواضيع مثيرة أخرى لا يتوقف النقاش فيها بين متهجم ومدافع مثل: قصص ابتزاز الفتيات، موضوع صخب وإزعاج مكبرات الصوت في المساجد والأحياء، إغلاق الأسواق للصلاة، بعض تصرفات هيئة الأمر بالمعروف...الخ.
أعتقد بأن هذا الوضع يُعد مؤشراً إيجابياً متقدماً على وجود حراك ثقافي واجتماعي وسياسي في بلادنا، بل هو دليل على حجم التفاعل الكيميائي بين بعض أجهزة الدولة والمواطنين بما فيهم نخبة المجتمع السعودي، وله فوائد وإيجابيات أخرى. بقدر هذا الجانب الإيجابي هناك أيضاً جانب سلبي ينبغي عدم مواراته تحت مظلة المجاملات الشخصية والمدارات الاجتماعية، لأن مصلحة الوطن وراحة المواطن لهما الأولوية ويتقدمان على متطلبات المجاملات وحسابات المدارات.
الجانب السلبي يتمثل في تعاطينا مع كل قضية على أساس أنها مشكلة بحد ذاتها وتتطلب الحل، فـ«يفزع» بعضنا لحلها، وهذا بقدر ما هو جميل في عالم «النخوة»، إلا أنه يواري مركز النقطة السلبية التي أود الإشارة إليها. فكل قضية من تلك القضايا ينبغي التوقف عندها، ثم أخذها كنموذج وعينة لمجموعة من القضايا المشابهة التي لم تخترق جدران وأسقف الأرفف في غرف الجهات المباشرة لها، أو لم يتسن للأطراف المتضررة معرفة كيفية دفعها للإعلام ومطالبة الآخرين بتبنيها. النقطة المحورية هي حاجتنا إلى تبني القضايا الكلية من خلال النظرة العامة في تناول تلك القضايا، لأن النظرة الجزئية للقضية الواحدة لن تعالج جذور المشاكل بقدر ما يعالج أعراض كل قضية فقط.
التناول الجزئي للقضية الواحدة بعيداً عن أخواتها من القضايا يعني ضرورة أن تتورم كل قضية على السطح كي يتم حلها، والواقع يشي بذلك، وهو الأمر الذي يدفع بصديق لي لتبني النظرة السوداوية لمجتمعنا جراء تزايد تلك القضايا، فأرد عليه بقولي: كل بلاد الدنيا ومجتمعاتها مليئة بالمشاكل والقضايا المشابهة، والفرق بيننا وبينهم في طريقة التعامل معها، وبالتالي في طريقة العلاج أيضاً. لذا فإننا مدعوون للانتقال من عالم «الفزعة» المبني على قاعدة «النخوة» إلى عالم تجميع معلومات القضايا المتشابهة وتحليلها ومعالجة جذورها، وإلا سنبقى متقوقعين في «مكانك سر». والله من وراء القصد.
kshabib@hotmail.com

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة